فضيلة السخاء وذم البخل في الاسلام
فضيلة السخاء
إعلم أن المال إن كان مفقوداً فينبغي أن يكون حال العبد القناعة ، وإن كان موجوداً فالإيثار والسخاء والتباعد عن البخل (1) ، قال صلى الله تعالى عليه و سلم :السخاء شجرة من شجر الجنة أغصانها متدلية إلى الارض ، فمن أخذ منها غصناً قاده ذلك الغصن إلى الجنة . والشح شجرة في النار فمن كان شحيحاً أخذ بغصن من أغصانها فلم يتركـه ذلـك الغصـن حتـى يدخلـه النـار .
وقال صلى الله تعالى عليه و سلم) : قال جبرائيل عليه السلام قال الله تعالى : إن هذا دين إرتضيته لنفسي ، ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه ما استطعتم وفي رواية فأكرموه بهما ما صحبتموه.
وقال عليه السلام :ما جبل الله ولياً إلا على السخاء وحسن الخلق . وعن جابر قال : قيل يا رسول الله أي الإيمان أفضل قال الصبر والسماحة .
عن عائشة : إن إبن ألزبير بعث إليها مالاً في غرارتين ثمانين الفاً ومائة ألف ، فدعت بطبق فجعلت تقسمه بين الناس ، فلما أمست قالت : يا جارية هلمي فطوري ، فجائتها بخبز وزيت ، فقالت لها : أم درة ما استطعت فيما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحماً نفطر عليه ، فقالت : لو ذكرتيني لفعلت .
وأعلم أن أرفع الدرجات في السخاء الإيثار ، وهو أن يجود بالمال مع الحاجة إليه والسخاء هو الجود بما فضل عنك وقد أثنى الرب سبحانه وتعالى على الصحابة فقال : وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (2) .
وقال عيسى عليه السلام :أيما رجل إشتهى شهوة فرد شهوته وآثر على نفسه غفر له .
وحكي أنه نزل برسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم ضيف ، فلم يجد عند أهله شيئاً فدخل عليه رجل من الأنصاروحمله إلى أهله ، فوضع بين يديه الطعام ، وأمر أمرأته باطفاء السراج وجعل يمد يده في الطعام كأنه يأكل ولا يأكل حتى أكل الضيف الطعام ، فلما أصبح قال له رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم :لقد عجـب الله مـن صنيعكم إلـى ضيفكـم فنزلت هذه الآية الكريمة : وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ(3) .
يقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :
السخاء : ترك الامتنان عند العطاء (4) .
ويقول: السخاء : هو ماكان ابتداء ، فأما ما كان عن مسألة فحياء وتذمم (5) .
يقول الإمام جعفر الصادق عليه السلام :
السخاء : هو من أخلاق الأنبياء ، وهو عماد الدين ، ولا يكون مؤمناً إلا سخى ، ولا يكون سخياً إلا ذا يقين وهمة عالية ، لأن السخاء شعاع نور اليقين . من عرف هان عليه ما بذل (6) .
ويقول الشيخ معروف الكرخي قدس الله سره : السخاء : إيثار ما يحتاج إليه عند الإعسار(7) .
ويقول الشيخ ابو عبد الرحمن السلمي :
قال بعضهم السخاء : هو المبادرة إلى العطية قبل السؤال(
.
ويقول الإمام القشيري :
عند القوم ، السخاء : هو الرتبة الاولى ، والجود هو بعده ثم الإيثار . فمن أعطى البعض وأبقى البعض فهو صاحب سخاء ، ومن بذل الأكثر وأبقى لنفسه شيئاً فهو صاحب جود ، والذي قاس الضرر وآثر غيره بالبلغة ( فإنه ) صاحب إيثار(9) .
ويقول الشيخ أبو سعيد الخراز : غاية السخاء : بذل النفس والمال والـروح للخلـق على غايـة الحيـاء(10) .
ويقول الشيخ الأكبر ابن عربي قدس الله سره :
عطاء السخاء : فهو العطاء على قدر الحاجة ، وذلك عطاء الحكمة ، فهو من إسمه الحكيم. فسخاء الحق: قول موسى عليه السلام قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (11) . . .
وأما سخاء العبد : فإعطاؤه كل ذي حق حقه وإنصافه ، فلنفسه عليه حق ، ولأهله عليه حق ، ولعينه عليه حق ، ولزوره عليه حق (12) .
ويقول الشيخ عبد الغني النابلسي :
السخاء درجة في الجنة وأغصانها في الدنيا ، فمن أخذ بغصن منها قادته اليها . والشح شجرة في النار وأغصانها في الدنيا . فمن أخذ بغصن منها قادته اليها . وقلب المؤمن جنته ، والسخاء شجرته وأغصانها ممتدة في جوارحه ، فلا تزال جوارحه مبسوطة في الخير ، مقبوضة عن الشر ، وذلك خلق رباني ، فإن يدي الرحمن مبسوطتان ينفق بهما ( في ) الليل والنهار. (13)
ويقول الشيخ ذو النون المصري :
بينما أنا أسير في جبل إنطاكية إذا أنا بجارية . . . قالت : أي شيء السخاء ؟ قلت : البذل والعطاء ؟ قالت : هذا سخاء في الدنيا ، فما السخاء في الدين ؟
قلت : المسارعة إلى طاعة رب العالمين .
قالت : فإذا سارعت إلى طاعة المولى فهو أن يطلع على قلبك وإنت لاتريد منه شيئاً ، ويحك ياذو النون إني أريد أن أطلب منه شيئاً منذ عشرين سنة فأستحي منه مخافة أن أكون كأجير السوء إذا عمل طلب الأجرة ، ولكن أعمل تعظيماً لهيبته وعز جلاله (14) .
ويقول الشيخ عبد الغني النابلسي :
حكي أن صوفياً دخل بلدة فوجد أهلها كلهم أغنياء . فقال لهم : كنت أعهدكم أن الغالب منكم فقراء .
فقالوا له : إن الشيخ فلان أغنانا .
فقال : ذاك رجل فقير فكيف أغناكم ؟
فقالوا : علمنا السخاء والكرم ، فعطف بعضنا على بعض فصرنا كلنا أغنياء (15) .
ويقول الشيخ إسماعيل حقي البروسوي :
حكي أن إمرأة قالت لجماعة ما السخاء عندكم ؟
قالوا : بذل المال .
قالت : هو سخاء أهل الدنيا والعوام ، فما سخاء الخواص ؟
قالوا : بذل الجهود في الطاعة .
قالت : ترجون الثواب ؟
قالوا : نعم .
قالت : تأخذون العشرة بواحد لقوله تعالى : مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا (16) فأين السخاء ؟
قالوا : فما عندك ؟
قالت : العمل لله لا للجنة ولا للنار ولا للثواب وخوف العقاب ، وذلك لا يمكن إلا بالتجريد والتفريد والوصول إلى حقيقة الوجود(17) .